فصل: مسألة (567): تصحُّ المزارعة ببعض ما تُخرج الأرض.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسائل العاريَّة

مسألة ‏(‏550‏)‏‏:‏ العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّها مضمونةٌ، إلا أن يشترط إسقاط الضمان‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يضمن، إلا أن يفرِّط في حفظها، كالوديعة‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ هي كالرهن، ما كان يخفى هلاكه- كالثياب والأثمان- ضمن، وما لم ‏[‏يكن‏]‏ يخفى هلاكه- كالدار والدابة- لم يضمن‏.‏

لنا‏:‏ 2490- ما روى الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا يزيد بن هارون أنا شَريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أميَّة بن صفوان بن أميَّة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار منه يوم حنين أدراعًا، فقال‏:‏ أغصبًا يا محمَّد‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بل عاريَّة مضمونة‏"‏‏.‏

فضاع بعضها، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضمنها له، فقال‏:‏ أنا اليوم يا رسول الله، في الإسلام أرغب‏.‏

2491- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد ثنا العبَّاس بن محمَّد ثنا الحسن بن بشر ثنا قيس بن الربيع عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مليكة عن أميَّة بن صفوان بين أميَّة عن أبيه قال‏:‏ استعار منِّي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدراعًا من حديدٍ، فقلت‏:‏ مضمونةٌ يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏مضمونةٌ‏"‏‏.‏

فضاع بعضها، فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إن شئت غرمتها‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا، إنَّ في قلبي من الإسلام غير ما كان يومئذٍ‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنسائيُّ من رواية يزيد بن هارون، وقال أبو داود‏:‏ وهذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط غير هذا‏.‏

ورواه أبو داود‏:‏ عن أبي بكر عن جرير عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن أناسٍ من آل عبد الله بن صفوان أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏يا صفوان، هل عندك من سلاح‏؟‏‏"‏‏.‏

الحديث‏.‏

وعن مسدَّد عن أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء عن ناسٍ من آل صفوان قال‏:‏ استعار النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فذكر معناه‏.‏

ورواه النسائيُّ عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أميَّة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان دروعًا‏.‏

فذكره‏.‏

وعن عليِّ بن حُجْر عن هشيم عن حجَّاج عن عطاء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان أدراعًا وأفراسًا‏.‏

وساق الحديث‏.‏

ورواه أبو بكر بن أبي عاصم عن أحمد بن الفرات عن شاذان ويحيى، كلاهما عن شريك عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن ابن أبي مُلَيْكة عن أميَّة بن صفوان بنحوه‏.‏

وهذا الحديث لا حجَّة فيه على أنَّ العاريَّة مضمونةٌ بكلِّ حالٍ، بل الظاهر أنَّ ضمانها إنَّما كان بالشرط، وقد جاء التصريح بأنَّ العاريَّة مقسَّمة إلى‏:‏ عاريَّةٍ مؤدَّاةٍ؛ وعاريَّةٍ مضمونةٍ؛ وذلك فيما رواه النسائيُّ، قال‏:‏ 2492- أخبرنا إبراهيم بن المستمر ثنا حَبَّان بن هلال ثنا همَّام بن يحيى ثنا قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّة عن أبيه قال‏:‏ قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعًا، وثلاثين مغفرًا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ يا رسول الله، أعاريَّة مضمونة، أو عاريَّة مؤدَّاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بل عاريَّة مؤدَّاة‏"‏‏.‏

رواته كلُّهم ثقات، لكنه معلَّلٌ، وقد رواه أبو داود عن إبراهيم بن المستمر‏.‏

2493- وقد رواه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، فقال‏:‏ حدَّثنا بَهْز بن أسد ثنا همَّام عن قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّه عن أبيه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا أتتك رسلي فأعطهم- أو‏:‏ فادفع إليهم- ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا- أو أقل من ذلك-‏"‏‏.‏

فقال له‏:‏ العاريَّة مؤدَّاة، يا رسول الله‏؟‏ قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏نعم ‏"‏ O‏.‏

2494- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عيسى الخوَّاص ثنا صالح بن العلاء بن بكير ثنا إسحاق بن عبد الواحد ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذَّاء عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من صفوان بن أميَّة أدراعًا وسلاحًا في غزوة حنين، فقال‏:‏ يا رسول الله، عاريَّة مؤدَّاة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏عاريَّة مؤدَّاة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏الكتب السِّتَّة‏"‏ من هذا الوجه‏.‏

وصالح بن العلاء‏:‏ لا أعرفه، وكأنَّه مصحَّف، والظاهر أنَّه‏:‏ صالح ابن محمَّد الحافظ‏.‏

وإسحاق بن عبد الواحد القرشيُّ المَوْصِليُّ‏:‏ قال أبو عليٍّ الحافظ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال أبو زكريا يزيد بن محمَّد المَوْصِليُّ‏:‏ هو كثير الحديث، رحَّال فيه، أكثر من المعافى ونظرائه من المَوَاصِلَة، وسمع من مالك بن أنس‏.‏

وذكر جماعة، ثُمَّ قال‏:‏ وصنَّف وكتب الناس عنه‏.‏

وروى له النسائيُّ حديثًا واحدًا، وقال‏:‏ إسحاق بن عبد الواحد لا أعرفه‏.‏

والله أعلم O‏.‏

2495- وقال الترمذيُّ‏:‏ حدَّثنا هنَّاد وعليُّ بن حُجْر قالا‏:‏ أنا إسماعيل ابن عيَّاش عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلاَنِيِّ عن أبي أمامة قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏العاريَّة مؤدَّاةٌ، والزعيم غارمٌ، والدَّيْنُ مَقْضيٌّ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حسَّنه الترمذيُّ، ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمَّار عن إسماعيل مختصرًا‏:‏ ‏"‏العاريَّة مؤدَّاة، والمنحة مردودةٌ ‏"‏ O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2496- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا أبو عليٍّ الحسين بن القاسم الكَوْكَبيُّ ثنا عليُّ بن حربٍ ثنا عمرو بن عبد الجبَّار عن عُبيدة بن حسَّان عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ليس على المستعير غير المغلِّ ضمانٌ، ولا على المستودع غير المغلِّ ضمانٌ‏"‏‏.‏

والمغلُّ‏:‏ الخائن‏.‏

والجواب‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنَّما يُروى هذا عن شُريح القاضي غير مرفوعٍ‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ قلت‏:‏ وقال ابن حِبَّان‏:‏ عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات، فبطل الاحتجاج به‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرَّج في ‏"‏ السنن‏"‏‏.‏

وقد روى حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب وقتادة وحبيب ويونس عن ابن سيرين أنَّ شُريحًا قال‏:‏‏.‏

فذكره، وهو المحفوظ O‏.‏

مسألة ‏(‏551‏)‏‏:‏ إذا أعاره أرضه مطلقًا ليبني فيها، فبنى أو غرس، فللمُعِيرْ أن يستردَّ الأرض، ويضمن قيمة البناء والغِرَاس، أو قيمة ما ‏[‏نقص‏]‏ بالقلع‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ للمعير أن يستردَّ الأرض، ويقلع البناء والغراس، ولا ضمان عليه‏.‏

لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏"‏‏.‏

وسيأتي مسندًا‏.‏

وفيه دليلٌ على أنَّ العرق إذا لم يكن ظالمًا فله حقٌّ‏.‏

ولنا‏:‏ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من بنى في رباع قوم بإذنهم، فله قيمته‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث الأخير رواه ابن عَدِيٍّ عن ميمون بن مسلمة عن كثير ابن أبي صابر عن عطاء الخفَّاف عن عمر بن قيسٍ عن الزهريِّ عن عروة عن عائشة مرفوعًا‏.‏

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لا تقوم به حجَّةٌ‏.‏

ورواه البيهقيُّ عن ابن مسعودٍ وشُريح من قولهما O‏.‏

مسائل الغصب

مسألة ‏(‏552‏)‏‏:‏ إذا مَثَّل بعبده عتق عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ‏:‏ لا يعتق‏.‏

لنا‏:‏ 2497- ما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا مُعمَّر بن سليمان الرَّقِّيُّ ثنا الحجَّاج عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من مُثِّل به، أو حُرِّق بالنار، فهو حرٌّ، وهو مولى الله ورسوله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأُتي برجلٍ قد خُصي- يقال له‏:‏ سندر- فأعتقه‏.‏

ز‏:‏ الحجَّاج بن أرطاة‏:‏ غير محتجٍّ به، لكنَّه غير متفرِّدٍ، فقد تابعه غيره عن عمرو، ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أهل ‏"‏ السنن ‏"‏ من روايته O‏.‏

مسألة ‏(‏553‏)‏‏:‏ إذا غيَّر صفة المغصوب- بأن طحن الحنطة، أو خبز الدقيق، أو شوى الشاة، أو قطع الثوب قميصًا، أو ضرب الزُّبرةَ أواني- لم يَزُل عنه ملك المالك‏.‏

2498- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منيب ثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قُتَيْلَة ثنا الحارث بن محمَّد الفِهْرَيُّ عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا يحلُّ مال امرمئ مسلمٍ إلا بطيب نفسه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كذا فيه‏:‏ ‏(‏عبد الله بن منيب‏)‏ وهو خطأٌ، و الصواب‏:‏ ‏(‏ابن شبيب‏)‏‏.‏

وهذا الإسناد ضعيفٌ، ولبس مخرَّجًا في شيءٍ من ‏"‏الكتب السِّتَّة‏"‏‏.‏

والحارث‏:‏ لا أعرفه‏.‏

ويحيى‏:‏ وثَّقه أبو حاتم وغيره‏.‏

وعبد الله بن شبيب الربعيُّ‏:‏ قال فضلك الرازيُّ‏:‏ يحلُّ- ضرب عنقه‏!‏ وقال الحاكم أبو أحمد‏:‏ ذاهب الحديث‏.‏

وقد روي هذا الحديث من وجوه أُخر‏:‏ من حديث ابن عمر وعمرو بن يَثْرِبي وغيرهما O‏.‏

احتجُّوا‏:‏

2499- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن محمَّد الوكيل ثنا حميد بن الربيع ثنا ابن إدريس ثنا عاصم بن كُليب عن أبيه عن رجلٍ من الأنصار قال‏:‏ دعت امرأةٌ من قريش رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فأتاها، فلما أُتي بالطعام، وضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، ووضع القوم، فبينا هو يأكل إذ كفَّ يده، فجعل الرجل يضرب يد ابنه حتَّى يرمي العَرْق من يده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أجد لحم شاة أُخذت بغير إذن أهلها‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأرسلت المرأة‏:‏ يا رسول الله، إني كنت أرسلت إلى البَقيْع أطلب شاةً فلم أصب، فبلغني أن جارًا لي اشترى شاةً، فأرسلت إليه، فلم نقدر عليه، فبعثت بها امرأته‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أطعموها الأسارى‏"‏‏.‏

فوجه الحجَّة‏:‏ أنَّ ملك صاحبها زال عنها بذلك، ولولا ذلك كان يأمر بردِّها عليه‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ حميد بن الربيع كذَّابٌ، كذلك قال يحيى بن معين‏.‏

ز‏:‏ حميد بن الربيع‏:‏ وثَّقه عثمان بن أبي شيبة، وكان الدَّارَقُطْنِيُّ يحسن القول فيه‏.‏

ولا وجه للطعن فيه بعد ذكر هذا الحديث، فإنَّه لم يتفرَّد به، بل تابعه غيره، فرواه أبو داود في ‏"‏ البيوع ‏"‏ عن محمَّد بن العلاء عن عبد الله بن إدريس، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏554‏)‏‏:‏ إذا غصب ساجةً فبنى عليها، أو آجرا فجعله في أساس حائطه وبنى عليه، وجب ردُّه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ زال حقُّ المالك عنها، وليس له إلا القيمة‏.‏

لنا‏:‏ حديث أنس المتقدِّم‏.‏

2500- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة بن جُندُب عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏على اليد ما أخذت، حتَّى تودِّيه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ السنن الأربعة ‏"‏ من رواية سعيد، وحسَّنه التزمذيُّ O‏.‏

مسألة ‏(‏555‏)‏‏:‏ إذا غصب أرضًا فزرعها، فصاحبها بالخيار‏:‏ إن شاء أن يقرَّ الزرع إلى وقت الحصاد؛ وإن شاء أن يدفع إليه قيمة الزرع أو ما أنفقه على الزرع- على اختلاف الروايتين في ذلك- ويكون الزرع له، وليس له إجباره على قلعه بيعير عوضٍ‏.‏

وقال أكثرهم‏:‏ له إجباره على القلع، وليس له إجباره على تسليم العوض عن الزرع‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 2501- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو كامل ثنا شَريك عن أبي إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خَدِيج قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من زرع أرضًا بغير إذن أهلها، فله نفقته، وليس له من الزرع شيءٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والترمذيُّ جميعًا عن قتيية بن سعيد عن شَريك‏.‏

وقال الترمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

قال‏:‏ وسألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال‏:‏ هو حديثٌ حسنٌ‏.‏

وقال‏:‏ لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شَريك‏.‏

وقال محمَّدٌ‏:‏ وثنا مَعْقِل بن مالك البصريُّ ثنا عقبة الأصمُّ عن عطاء عن رافع عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه‏.‏

ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن عامر بن زُرارة عن شَريك، ورواه الإمام أحمد أيضًا عن أسود بن عامر والخُزَاعيُّ- يعني‏:‏ منصور بن سلمة- عن شَريك‏.‏

ورواه البيهقيُّ من رواية قيس بن الربيع عن أبي إسحاق‏.‏

ورواه ابن عَدِيٍّ من رواية حجَّاج بن محمَّد عن شَريك عن أبي إسحاق عن عبد العزيز بن رُفَيْع عن عطاء‏.‏

وقال أبو زرعة وغيره‏:‏ لم يسمع عطاء من رافع بن خَدِيج‏.‏

وقال الخطَّابيُّ‏:‏ هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث‏.‏

قال‏:‏ وحدَّثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الحمَّال أنَّه كان ينكر هذا الحديث ويضعِّفه، ويقول‏:‏ لم يروه غير شَريك، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع شيئًا‏.‏

قال الخطَّابيُّ‏:‏ وضعَّفه البخاريُّ أيضًا‏.‏

كذا قال، وهو مخالفٌ لما نقله الترمذيُّ عنه‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ وقد رواه عقبة بن الأصمِّ عن عطاء قال‏:‏ ‏(‏ثنا رافع بن خَدِيج‏)‏، وعقبة ضعيفٌ لا يحتجُّ به‏.‏

كذا قال، وقد روي هذا الحديث من رواية غير عطاء عن رافع، وقد احتجَّ به أحمد في روايةٍ عنه، والله أعلم O‏.‏

2502- الحديث الثاني‏:‏ قال الترمذيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الوهاب ثنا أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏"‏‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن المثنَّى قال‏:‏ سألت أبا الوليد الطيالسيَّ عن قوله‏:‏ ‏"‏وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏"‏، فقال‏:‏ هو الغاصب‏.‏

قلت‏:‏ هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره‏؟‏ قال‏:‏ هو ذاك‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنسائيُّ من حديث عبد الوهَّاب الثقفيِّ أيضًا، وقال الترمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد روى بعضهم عن هشام عن أبيه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلٌ‏.‏

ورواه النسائيُّ أيضًا عن عيسى بن حمَّاد عن ليث عن يحيى بن سعيد عن هشام عن عروة أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فذكره مرسلاً‏.‏

قال الليث‏:‏ كتبت إلى هشام، فكتب إليَّ مثل حديث يحيى‏.‏

وسُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فقال‏:‏ تفرَّد به عبد الوهاب الثقفيُّ عن أيُّوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد، واختلف فيه على هشام بن عروة‏:‏ فرواه الثوريُّ عن هشام عن أبيه قال‏:‏ حدَّثني من لا أتهم عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتابعه جرير بن عبد الحميد‏.‏

وقال يحيى بن سعيد ومالك بن أنس وعبد الله بن إدريس ويحيى بن سعيد الأمويُّ‏:‏ عن هشام عن أبيه مرسلاً O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2503- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا ‏[‏أحمد‏]‏ ‏[‏بن إسحاق بن البهلوْل ثنا أبي ثنا يعلى عن محمَّد بن إسحاق عن يحيى وهشام ابني عروة عن عروة‏:‏ أنَّ رجلين من الأنصار اختصما في أرضٍ، غرس أحدهما فيها نخلاً، والأرض للآخر، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال‏:‏ ‏"‏ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فلقد أخبرني الذي حدَّثني بهذا الحديث‏:‏ أنَّه رأى النخل تقلع أصولها بالفؤوس‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ هذا مرسلٌ، وابن إسحاق مجروحٌ‏.‏

ز‏:‏ 2504- روى أبو داود عن هنَّاد عن عَبْدَة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏"‏‏.‏

قال عروة‏:‏ فلقد خبَّرني الذي حدَّثني بهذا الحديث‏:‏ أنَّ رجلين اختصما إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غرس أحدهما نخلاً‏.‏

الحديث‏.‏

2505- وروى عن أحمد بن سعيد الدارميِّ عن وهب بن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه، إلا أنَّه قال عند قوله مكان‏:‏ ‏(‏الذي حدَّثني بهذا‏)‏، فقال‏:‏ ‏(‏رجل من أصحاب النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر ظنِّي أنَّه أبو سعيد-‏:‏ فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل‏)‏ O‏.‏

مسألة ‏(‏556‏)‏‏:‏ إذا كَسَر آلة اللهو لم يضمن‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ‏:‏ يضمن‏.‏

2506- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يزيد أنا فرج بن فَضَالة عن ‏[‏عليِّ‏]‏ ابن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله عزَّ وجلَّ أمرني أن أمحق‏:‏ الزامير، والمعازف، والأوثان التي كانت تعبد في الجاهليَّة‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ القاسم وعليُّ بن يزيد ضعيفان‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في شيءٍ من ‏"‏السنن‏"‏‏.‏

وعليٌّ‏:‏ أضعف من القاسم، وقد وَثَّق القاسمَ‏:‏ الترمذيُّ وغيرُه‏.‏

وفرجٌ‏:‏ فيه مقالٌ أيضًا، والله أعلم O‏.‏

مسائل الشُّفْعة

مسألة ‏(‏557‏)‏‏:‏ لا تستحق الشُّفعة بالجوار‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تستحق‏.‏

لنا‏:‏ 2507- ما روى الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرزَّاق ثنا مَعْمَر عن الزهريِّ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ إنَّما جَعَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُفْعة في كلِّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شُفْعة‏.‏

انفرد بإخراجه البخاريُّ‏.‏

2508- طريقٌ آخرٌ‏:‏ قال مسلمٌ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا عبد الله بن إدريس ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال‏:‏ قضى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشُّفْعة في كلِّ شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحلُّ أن يبيع حتَّى يُؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يُؤذنه، فهو أحقُّ به‏.‏

انفرد باخراجه مسلمٌ‏.‏

احتجُّوا بأربعة أحاديث‏:‏

2509- الحديث الأوَّل‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم أنا ابن جريج قال‏:‏ أخبرني ابن ميسرة عن عمرو بن الشَّرِيْد عن أبي رافع- مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال لسعد بن أبي وقَّاص‏:‏ ابتع منِّي بيتي في دارك، ولولا أنِّي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏الجار أحقُّ بصقبه‏"‏‏.‏

ما أعطيتكها بأربعة آلاف‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، والله أعلم O‏.‏

2510- الحديث الثاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان ثنا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏جار الدار أحقُّ بالدار من غيره‏"‏‏.‏

2511- الحديث الثالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا روح ثنا حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه الشَّرِيد بن سُويد أنَّ رجلاً قال‏:‏ يا رسول الله، أرضٌ ليس لأحدٍ فيها شِرْكٌ ولا قسم إلا الجوار‏؟‏ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الجار أحقُّ بسقبه ما كان‏"‏‏.‏

2512- طريق آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا إسحاق بن سليمان ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى قال‏:‏ سمعت عمرو بن الشَّرِيد عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الجار أحق بسقبه‏"‏‏.‏

2513- الحديث الرابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا هُشيم أنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الجار أحقُّ بشفعة جاره، ينتظر بها إذا كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا حديث أبي رافع‏:‏ فمحمولٌ على أنَّه كان شريكًا مخالطًا‏.‏

وأمَّا حديث سَمُرة‏:‏ فروى أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ أحاديث الحسن عن سَمُرة من كتاب‏.‏

وقال أحمد بن هارون البرديجيُّ‏:‏ لا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه‏:‏ ‏(‏سمعت سَمُرة‏)‏ إلا حديث واحد- وهو حديث العقيقة- ولا يثبت‏.‏

وقال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ لم يشافه الحسن سَمُرة‏.‏

وقد قال ابن المدينيِّ‏:‏ سمع الحسن من سَمُرة‏.‏

وأمَّا حديث عمرو بن الشَّرِيد‏:‏ فقال ابن المنذر‏:‏ هو حديثٌ منكرٌ، لا أصل له‏.‏

وأمَّا حديث جابر‏:‏ فقال شعبة‏:‏ سها فيه عبد الملك بن أبي سليمان، فإن روى حديثًا آخر مثله طرحت حديثه‏.‏

ثُمَّ ترك شعبة التحديث عنه، وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا الحديث منكرٌ‏.‏

وقال يحيى‏:‏ لم يروه غير عبد اللك، وقد أنكروه عليه‏.‏

ثُمَّ نحمل الأحاديث على الشريك المخالط، وقد يسمَّى جارًا‏.‏

ز‏:‏ حديث الحسن عن سَمُرة‏:‏ رواه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ من رواية قتادة عنه، وصحَّحه الترمذيُّ‏.‏

ورواه النسائيُّ والطَّحاويُّ وابن حِبَّان من رواية سعيد عن قتادة عن أنس، وكأنَّه وهمٌ‏.‏

وحديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبيه‏:‏ رواه النسائيُّ وابن ماجة من حديث حسين المعلِّم، ورواه النسائيُّ من رواية عبد الله بن عبد الرحمن عنه، وفي إسناده اختلافٌ قد ذكره النسائيُّ‏.‏

ورواه أيضًا من رواية حسين المعلِّم عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه، والمحفوظ حديث عمرو بن الشَّرَيد عن أبي رافع‏.‏

وحديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ السنن الأربعة ‏"‏، وقال الترمذيُّ‏:‏ حسنٌ غريبٌ، لا نعلم أحدًا رواه غير عبد الملك، وعبد الملك هو ثقةٌ مأمونٌ عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه غير شعبة، من أجل هذا الحديث‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول‏:‏ نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظًا‏.‏

وقال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ قال لي أبو عبد الله- يعني‏:‏ أحمد بن حنبل-‏:‏ ليس العمل على هذا، لا شفعة إلا للخليط‏.‏

واعلم أنَّ حديث عبد الملك حديثٌ صحيحٌ، ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة، فإنَّ في حديث عبد الملك‏:‏ ‏"‏إذا كان طريقهما واحدًا‏"‏، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشُفْعة إلا بشرط تصرف الطرق‏.‏

فنقول‏:‏ إذا اشترك الجاران في المنافع- كالبئر أو السطح أو الطريق- فالجار أحقُّ بصقب جاره، لحديث عبد الملك؛ وإذا لم يشتركا في شيءٍ من النافع فلا شُفْعة، لحديث جابرٍ المشهور؛ وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره‏.‏

وطَعْنُ شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك، فإنَّ عبد الملك ثقةٌ مأمونٌ، وشعبة لم يكن من الحذَّاق في الفقه، ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنَّما كان إمامًا في الحفظ، وطَعْنُ من طَعَنَ عليه سواه إنَّما هو اتباعٌ لشعبة، وقد احتجَّ مسلمٌ في ‏"‏صحيحه بحديث عبد الملك، وخرَّج له أحاديث، واستشهد به البخاريُّ، وكان سفيان يقول‏:‏ حدَّثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان‏.‏

وقد وثَّقه الإمام أحمد ويحيى ابن معين والعِجْليُّ وابن عمَّار والنسائيُّ وغيرهم، وقد قيل لشعبة‏:‏ مالكَ لا تحدِّث عن عبد الملك بن أبي سليمان‏.‏

قال‏:‏ تركت حديثه‏.‏

قيل له‏:‏ تحدِّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَمِيِّ وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ من حسنها فررت‏!‏ قال الخطيب‏:‏ قد أساء شعبة في اختياره حيث حدَّث عن محمَّد بن عبيد الله العَرْزَميِّ وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، لأنَّ محمَّد بن عبيد الله لم يختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأمَّا عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيضٌ، وحُسنُ ذكرهم له مشهورٌ O‏.‏

واحتجُّوا‏:‏ 2514- بما رووا عن أبي سعيد عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏الخليط أحقُّ من الشفيع، والشفيع أحقُّ من غيره‏"‏‏.‏

وهذا الحديث لا يعرف هكذا، إنَّما المعروف‏:‏ 2514/أ- ما رواه سعيد بن منصور، قال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة الثقفيِّ قال‏:‏ قال الشعبيُّ‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا مرسلٌ‏.‏

وهشام‏:‏ وثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم‏:‏ لا بأس بحديثه O‏.‏

مسألة ‏(‏558‏)‏‏:‏ إذا اشترى أرضًا فيها زرعٌ أو شجرٌ مثمرٌ، لم تجب الشُّفعة في الزرع والثمر‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ تجب‏.‏

2515- قال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثنا أبو الطاهر ثنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الشُّفعة في كلِّ شِرْكٍ، في أرضٍ أو رَبْعٍ أو حائط‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

ووجه الحجَّة‏:‏ أنَّه لم يثبت الشُّفْعة في غير ذلك‏.‏

مسألة ‏(‏559‏)‏‏:‏ لا تثبت الشُّفْعة فيما لا يقسم، كالحمَّام والرحى ونحوه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تثبت‏.‏

وعن أحمد نحوه‏.‏

وعن مالك كالمذهبين‏.‏

2516- قال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال‏:‏ حدَّثني محمَّد بن عمارة أنَّ أبا بكر بن محمَّد قال‏:‏ خطب عمر الناس، فقال‏:‏ لا شفعة في بئر ولا فحل‏.‏

والمنقبة‏:‏ الطريق الضيق بين القوم لا يمكن قسمته‏.‏

وإنَّما وجبت الشُّفْعة لأجل الضرر الذي يلحق الشريك بإحداث المرافق، وهذا معدومٌ فيما لا يقسم‏.‏

ز‏:‏ الأثر الذي ذكره منقطعٌ، وهو مشهورٌ عن عثمان‏:‏ 2517- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا ابن إدريس عن محمَّد بن عمارة عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان عن عثمان‏:‏ لا شُفْعة في بئرٍ ولا فحل ولا رف‏.‏

قال أحمد‏:‏ ما أصحَّه من حديث‏.‏

ذكره الخلال‏.‏

وذكره الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب ‏"‏ لعلل ‏"‏ موقوفًا ومرفوعًا، وقال‏:‏ والموقوف أصحُّ‏.‏

2518- وقال الطَّحاويُّ‏:‏ ثنا أحمد بن داود ثنا يعقوب ثنا مَعْن بن عيسى عن محمَّد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عبَّاسٍ‏:‏ لا شُفْعة في الحيوان O‏.‏

مسألة ‏(‏560‏)‏‏:‏ لا شفعة لذميٍّ على مسلم، وهو قول الشعبيِّ، خلافًا لأكثرهم‏.‏

2519- قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ‏:‏ حدَّثنا القاسم بن زكريا ثنا حفص الرَّبَاليُّ ثنا نائل بن نجيح ثنا سفيان عن حُميد عن أنسٍ أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا شُفْعة لنصرانيٍّ‏"‏‏.‏

2520- وقال الخطيب‏:‏ أخبرنا محمَّد بن أحمد بن رزق أنا إسماعيل بن محمَّد الصفَّار ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا نائل بن نجيح عن سفيان عن حُميد عن أنسٍ- مرَّةً رفعه، ومرَّةً لم يرفعه- قال‏:‏ لا شفعة لنصرانيٍّ‏.‏

قال الخطيب‏:‏ أنا البَرْقَانِيُّ أنا الدَّارَقُطْنِيُّ- وسُئل عن حديث حُميد عن أنسٍ قال‏:‏ قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا شفعة لنصرانيٍّ ‏"‏- فقال‏:‏ يرويه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وهمٌ، والصواب عن حُميد الطويل عن الحسن من قوله‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ نائل بغداديٌّ‏.‏

قلت‏:‏ ثقةٌ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال الخطيب‏:‏ روى حديث الشُّفْعة وكيعٌ وأبو حذيفة عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله، وهو الصحيح‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ السنن‏"‏، وقد رواه أيضًا محمَّد بن يوسف الفِرْيَابيُّ ومحمَّد بن كثير العَبْدِيُّ وعبد الله بن الوليد عن سفيان عن حُميد عن الحسن قوله‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ هذا هو الصواب من قول الحسن‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ أحاديث نائل مظلمةٌ جدًا، وخاصة إذا روى عن الثوريِّ‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ قال أبي في حديث رواه نائل بن نجيح عن الثوريِّ عن حُميد عن أنسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا شفعة للنصرانيِّ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هو باطلٌ O‏.‏

مسائل الإجارة

مسألة ‏(‏561‏)‏‏:‏ إذا استأجر دارًا كلَّ شهر بشيءٍ معلومٍ، لزمه في الشهر الأوَّل، وما بعده من الشهور يلزم بالدخول فيه‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصحُّ في الجميع، كقول الشافعيِّ‏.‏

2521- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل أنا أيُوب عن مجاهد قال‏:‏ قال عليٌّ عليه السلام‏:‏ جُعْتُ مرَّةً بالمدينة جوعًا شديدًا، فخرجت أطدب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا، فطننتها تريد بلَّه، فأتيتها، فقاطعتها‏:‏ كلّ ذنوبٍ على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا، حتى مجلت يداي، ثُمَّ أتيت الماء فأصبت منه، ثُمَّ أتيتها، فقلت بكفِّي هكذا بين يديها- وبسط إسماعيل يديه وجمعهما-، فعدَّت لي ستَّ عشرة تمرة، فأتيت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، فكل معي منها‏.‏

وقد رواه عكرمة عن ابن عبَّاسٍ فذكر القصة‏.‏

ز‏:‏ حديث مجاهد عن علىٍّ منقطعٌ، قال أبو زرعة‏:‏ مجاهد عن علىٍّ مرسلٌ‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ مجاهد أدرك عليًّا، لا يذكر رؤيةً ولا سماعًا‏.‏

وقال الدُّورِيُّ‏:‏ قيل ليحيى بن معين‏:‏ يروى عن مجاهد أنَّه قال‏:‏ خرج علينا عليٌّ‏.‏

قال‏:‏ ليس هذا بشيءٍ‏.‏

وحديث عكرمة عن ابن عبَّاسٍ‏:‏ رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الأعلى الصنعانيِّ عن المُعْتَمر بن سليمان عن أبيه عن حَنَشٍ عنه‏.‏

وحنش اسمه‏:‏ حسين بن قيس، وقد ضعَّفوه، إلا الحاكم، فإنَّه وثَّقه‏.‏

2522- وقال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حَيَّة عن عليٍّ قال‏:‏ كنت أدلو الدلو بتمرةٍ، وأشترط أنَّها جَلِدَةٌ‏.‏

هذا إسنادٌ صالحٌ O‏.‏

مسألة ‏(‏562‏)‏‏:‏ لا يجوز أخذ الأجرة على القُرَب- كتعليم القرآن، والأذان، والصلاة، وتعليم الفرائض، ورواية الحديث-‏.‏

وقال مالك والشافعيُّ‏:‏ يجوز‏.‏

2523- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا حسن بن موسى ثنا حمَّاد بن سلمة عن سعيد الجُريريِّ عن أبي العلاء بن الشِّخِّير عن مطرِّف بن عبد الله أنَّ عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ يا رسول الله، اجعلني إمام قومي‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏اقتد بأضعفهم، واتَّخذ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنسائيُّ من حديث حمَّاد، وإسناده جيِّد، وقد روي من وجهٍ آخر O‏.‏

2524- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا وكيع ثنا مغيرة بن زياد عن عُبَادة بن نُسَيٍّ عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ علَّمت ناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إليَّ رجلٌ منهم قوسًا، فقلت‏:‏ أرمي عنها في سبيل الله تعالى‏.‏

فسألت النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال‏:‏ ‏"‏إن سرَّك أن تطوَّق بها طوقًا من نارٍ فاقبلها‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ المغيرة ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ المغيرة‏:‏ مختلفٌ في توثيقه‏:‏ وثَّقه وكيع وابن معين والعِجْليُّ وغيرهم، وتكلَّم فيه أحمد والبخاريُّ وأبو حاتم وغيرهم، وصحَّح حديثه هذا الحاكم، وقال في موضع آخر‏:‏ المغيرة بن زياد صاحب مناكير، لم يختلفوا في تر، ويقال‏:‏ إنَّه حدَّث عن عبادة بن نُسَيٍّ بحديثٍ موضوعٍ‏.‏

وقد أخطأَ الحاكم في هذا القول وتناقض‏.‏

وقد روى هذا الحديث‏:‏ أبو داود وابن ماجة من رواية مغيرة‏.‏

وقال ابن المدينيِّ‏:‏ إسناده كلُّه معروف، إلا الأسود بن ثعلبة، فإنَّا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث‏.‏

وقد رواه أبو داود من حد بقيَّة عن بشر بن عبد الله بن يسار عن عبادة بن نُسَيٍّ عن جُنادة بن أبي أميَّة عن عبادة بن الصامت‏.‏

تابعه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجَّاج عن بشر بن عبد الله O‏.‏

2525- وقال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا سهل بن أبي سهل ثنا يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد قال‏:‏ حدَّثني عبد الرحمن بن سَلْم عن عطيَّة الكَلاعِيِّ عن أُبَيِّ ابن كعب قال‏:‏ علَّمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال‏:‏ ‏"‏إن أخذتها أخذت قوسًا من نارٍ‏"‏‏.‏

فرددتها‏.‏

ز‏:‏ عبد الرحمن بن سَلْم‏:‏ لبس بالمشهور، وروى له ابن ماجة هذا الحديث الواحد، وقد ذكر شيخنا في ‏"‏الأطراف ‏"‏ بينه وبين ثور‏:‏ ‏(‏خالد بن معدان‏)‏، وذلك وهمٌ، ثُمَّ قال في هذا الحديث‏:‏ رواه موسى بن عُلَيِّ بن رباحٍ عن أبيه عن أُبَيِّ بن كعبٍ‏.‏

ورواه محمَّد بن جُحَادة عن رجل- يقال له‏:‏ أبان- عن أُبَيِّ بن كعبٍ‏.‏

ورواهُ بُنْدَار عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن سَلْم عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ علَّم رجلاً

2526- وروى هشام بن عمَّار عن عمرو بن واقد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ أُبَيَّ بن كعبٍ أقرأ رجلاً من أهل اليمن سورةً، فرأى عنده قوسًا فقال‏:‏ تبيعنيها‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل هي لك‏.‏

فسأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏إن كنت تريد أن تقلَّد قوسًا من نارٍ فخذها‏"‏‏.‏

2527- وروى إسماعيل بن عيَّاش عن عبد ربِّه بن سليمان بن عمير بن زيتون عن الطفيل بن عمرو الدَّوسيِّ قال‏:‏ أقرأني أُبَيُّ بن كعبٍ القرآن، فأهديت له قوسًا، فغدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متقلدها‏.‏

فذكر الحديث‏.‏

انتهى ما ذكره، وفي بعضه نظرٌ‏:‏ فإنَّ محمَّد بن هارون ‏[‏الرُّوْيَانيَّ‏]‏ رواه عن بُنْدَار بخلاف ما ذكر عنه، فقال‏:‏

2528- حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا يحيى بن سعيد ثنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطيَّة بن قيسٍ الكَلاعِيِّ عن أُبيِّ بنِ كعب أنَّّه علَّم رجلاً القرآن، فأهدى إليه قوسًا، فوقع في نفسي شيءٌ، فذكرت ذلك للنبيِّ عفًرِو، فقال‏:‏ ‏"‏إن أخذتها فخذها قوسًا من نارٍ‏"‏‏.‏

وقال أبو الفرج- المؤلِّف- في كتاب ‏"‏الضعفاء‏"‏‏:‏ وعبد الرحمن بن مسلم يروي عن عطيَّة، ضعيفٌ‏.‏

ولم ينسب ذلك إلى أحدٍ‏.‏

2529- وقال عثمان بن سعيد الدارميُّ‏:‏ ثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أمِّ الدرداء عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من أخذ قوسًا على تعليم القرآن، قلَّده الله قوسًا من نارٍ‏"‏‏.‏

ورواه سَمُّويَه في ‏"‏فوائده ‏"‏ عن عبد الرحمن‏.‏

وقد روى مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ حديثًا عن داود بن رُشَيد عن الوليد بن مسلمٍ بهذا الإسناد عن أبي الدرداء في الصوم في السفر‏.‏

وعبد الرحمن هذا‏:‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ روى عنه أبي، وسمح منه في الرحلة الأولى، وسألته عنه، فقال‏:‏ ما بحديثه بأسٌ، صدوقٌ‏.‏

وقال دُحيم‏:‏ حديث أبي الدرداء عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من تقلَّد قوسا على تعليم القرآن‏.‏

‏"‏ ليس له أصلٌ‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ هو ضعيفٌ O‏.‏

وقد احتجَّ أصحابنا‏:‏ 2530- بما أخبرنا به محمَّد بن ناصر الحافظ أنا أبو سهل محمَّد بن إبراهيم بن سعدويه أنا أبو الفضل القرشيُّ ثنا أبو بكر بن مردويه ثنا أحمد بن كامل ثنا عليُّ بن حمَّاد بن السَّكَن ثنا أحمد بن عبد الله الهَرويُّ ثنا هشام بن سليمان المخزوميُّ عن ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عبَّاسٍ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏المعلِّمون خير الناس، كلَّما خَلِقَ الذكر جدَّدوه، عظموهم، ولا تستأجروهم فتحرجوهم، فإنَّ المعلِم إذا قال للصبيِّ‏:‏ قل‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، وقال الصبي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، كلب الله‏:‏ براءة الصبيِّ، وبراءة لوالديه، وبراءة للمعلِّم من النار‏"‏‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ وهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، لأنَّه من عمل أحمد ابن عبد الله الهَرويِّ، وهو الجُوَيْبَاريُّ، وكان كذَّابًا يضع الحديث، أجمع أهل النقل على ذلك‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث موضوعٌ، وقد سقط بين هشام وابن أبي مُلَيْكة رجلٌ، أمَّا ابن جريج أو غيره‏.‏

والجُوَيْبَاريُّ‏:‏ دجَّالٌ‏.‏

والراوي عنه ‏(‏علي بن حمَّاد بن السَّكَن‏)‏‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هو متروكٌ O‏.‏

احتجُّوا بحديثين‏:‏ 2531- الحديث الأوَّل‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا غُنْدر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكِّل عن أبي سعيد الخدريِّ‏:‏ أنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتوا على حيٍّ من أحياء العرب، فلم يَقْرُوهم، فبينا هم كذلك إذ لُدغ سيِّدُ أولئك، فقالوا‏:‏ هل معكم من دواءٍ أو راقٍ‏؟‏ فقالوا‏:‏ إنَّكم لم تَقْرُونا، ولن نفعل حتى تجعلوا لنا جُعْلاً‏.‏

فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأمِّ القرآن، ويجمع بُزَاقَهُ ويَتْفِلُ، فبرأ، فأتوا بالشاء، وقالوا‏:‏ لا نأخذ حتَّى نسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فسألوه، فضحك وقال‏:‏ ‏"‏وما يدريك أنَّها رقيَّة‏؟‏‏!‏ خذوها واضربوا لي بسهمٍ‏"‏‏.‏

2532- الحديث الثاني‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ وحدَّثنا سيدان بن مضارب ثنا يوسف البرَّاء قال‏:‏ حدَّثني عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مُلَيْكة عن ابن عبَّاسٍ‏:‏ أنَّ نفرًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرُّوا بماءٍ فيهم لديغ- أو سليم- فعرض لهم رجلٌ من الماء، فقال‏:‏ هل فيكم من راقٍ، إنَّ في الماء رجلاً لديغًا- أو سليمًا-‏؟‏ فانطلق رجلٌ منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا‏:‏ أخذت على كتاب الله أجرًا‏!‏ حتَّى قدموا المدينة، فقالوا‏:‏ يارسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا‏؟‏‏!‏ فقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله‏"‏‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

وقد أجاب أصحابنا عنهما بثلاثة أجوبة‏:‏ أحدها‏:‏ أنَّ القوم كانوا كفَّارًا، فجاز أخذ أموالهم‏.‏

والثاني‏:‏ أنَّ حقَّ الضيف لازمٌ، ولم يضيفوهم‏.‏

والثالث‏:‏ أنَّ الرقية ليست بقربة محضة، فجاز أخذ الأجرة عليها‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن عبَّاسٍ‏:‏ لم يروه مسلمٌ، بل انفرد به البخاريُّ، ولا عموم فيه O‏.‏

مسألة ‏(‏563‏)‏‏:‏ لا يجوز أخذ الأجرة على الحجامة، فإن دفع إليه من غير شرط ولا عقد، لم يجز للحرِّ أكله، ولكن يعلفه ناضحه، ويطعمه رقيقه‏.‏

وقال أكثرهم‏:‏ يجوز‏.‏

2533- قال الترمذيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن رافع ثنا عبد الرزَّاق أنا مَعْمَر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظٍ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خَدِيجٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏كسب الحجَّام خبيثٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلمٌ عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزَّاق، وصحَّحه الترمذيُّ O‏.‏

2534- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيِّصة‏:‏ أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسب حجَّامٍ له، فنهاه عنه، فلم يزل يكلِّمه حتَّى قال‏:‏ ‏"‏اعلفه ناضحك، أو أطعمه رقيقك‏"‏‏.‏

2535- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا حجَّاج بن محمَّد أنا ليث قال‏:‏ أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير الأنصاريِّ عن محمَّد بن سهل بن أبي حَثْمَة عن مُحَيِّصة بن مسعود الأنصاريِّ‏:‏ أنَّه كان له غلامٌ حجَّامٌ- يقال له‏:‏ نافع أبو طيبة- فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله عن خَرَاجِه، فقال‏:‏ ‏"‏لا تقربه‏"‏‏.‏

فردَّد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال‏:‏ ‏"‏اعلف به الناضح، واجعله في كرشه‏"‏‏.‏

2536- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عبد الصمد ثنا هشام عن يحيى ‏[‏عن‏]‏ محمَّد ‏[‏بن‏]‏ أيُّوب‏:‏ أنَّ رجلاً من الأنصار- يقال له‏:‏ مُحَيِّصة- حدَّثه‏:‏ أنَّه كان له غلام حجَّام، فزجره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسبه، فقال‏:‏ ألا أطعمه أيتامًا لي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ أفلا أتصدَّق به‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

فرخَّص له أن يعلفه ناضحه‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن القَعْنَبِيِّ عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة عن أبيه‏.‏

ورواه الترمذيُّ عن قتيبة عن مالكٍ عن ابن شهابٍ عن ابن مُحَيِّصة- أخي بني حارثِة- عن أبيه، وقال‏:‏ حسنٌ O‏.‏

ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شَبَابة عن ابن أبي ذئب عن الزهريِّ عن حرام بن مُحَيِّصة عن أبيه نحوه‏.‏

وقد رواه محمَّد بن إسحاق عن الزهريِّ عن حرام بن سعد بن مُحَيصِّة عن أبيه عن جدِّه‏.‏

والإسنادان الآخران فيهما من تجهل حاله‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ محمَّد بن أيُّوب، روى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً‏:‏ أنَّ مُحَيِّصة سألَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام‏.‏

روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن حديج بن صومي عنه، سمعت أبي يقول ذلك، سألت أبي عنه، فقال‏:‏ هو مجهول‏.‏

وقال البخاريُّ في ‏"‏التاريخ ‏"‏‏:‏ محمَّد بن أيُّوب أن مُحَيِّصة سأل النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجَّام‏.‏

قال لي إسحاق‏:‏ سمع وهبًا سمع هشامًا عن يحيى بن أبي كثير O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2537- بما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا أبو داود عن زَمْعة عن ابن طاوس عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبَّاسٍ‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى الحجَّام أجره‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة ‏"‏الكتب السِّتَّة‏"‏ بهذا الإسناد، بل هو مخرَّجٌ في ‏"‏ الصحيحين ‏"‏ من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ O‏.‏

2538- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الشعبيِّ عن ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا غلامًا لبني بياضة يحجمه، وأعطى الحجَّام أجره‏:‏ مدًّا ونصفًا، وكلَّم مواليه فحطُّوا عنه نصف مدٍّ، وكان عليه مدَّان‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

ز‏:‏ كذا ذكره، وقد سقط بين شعبة والشعبيِّ رجلٌ، وقد رواه مسلمٌ من حديث مَعْمَر عن عاصم عن الشعبيِّ O‏.‏

2539- وقال الترمذيُّ‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن حُجْر أنا إسماعيل بن جعفر عن حُميد قال‏:‏ سُئل أنس عن كسب الحجَّام، فقال‏:‏ احتجم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلَّم أهله فوضعوا عنه من خراجه‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وجوابه‏:‏ أنَّ في أحاديثنا زيادةَ بيان‏.‏

ز‏:‏ حديث أنس‏:‏ رواه مسلمٌ عن يحيى بن أيُّوب وقتيبة وعليِّ بن حُجْرٍ، ثلاثتهم عن إسماعيل بن جعفر به O‏.‏

مسألة ‏(‏564‏)‏‏:‏ يجوز استئجار الظئر والخادم بطعامه وكسوته

وعنه‏:‏ لا يجوز، كقول الشافعيِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز في الظئر دون الخادم‏.‏

2540- قال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن المُصَفَّى ثنا بقيَّة عن مسلمة بن عليٍّ عن سعيد بن أبي أيُّوب عن الحارث بن يزيد عن عُلَيِّ بن رباح قال‏:‏ سمعت عتبة بن النُّدَّر يقول‏:‏ كُنَّا عند رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ‏:‏ ‏(‏طس‏)‏ حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال‏:‏ ‏"‏إن موسى أجر نفسه ثمان سنين، أو عشرا، على عفَّة فرجه، وطعام بطنه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث انفرد به ابن ماجة‏.‏

ومسلمة بن عليٍّ‏:‏ أجمعوا على ضعفه، وقال النسائيُّ وغيره‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ أحاديثه غير محفوطة O‏.‏

مسألة ‏(‏565‏)‏‏:‏ لا يصحُّ الاستئجار لحمل الخمر، ومتى حمله لم يستحق أجرة‏.‏

وعنه‏:‏ ‏[‏يصحُّ‏]‏، ويستحقُّ الأجرة، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لعنت الخمر بعينها وحاملها‏"‏‏.‏

وقد سبق الحديث بإسناده‏.‏

مسائل المساقاة

مسألة ‏(‏566‏)‏‏:‏ تجوز المساقاة في النخل والكرم والشجر، وكلِّ أصلٍ له ثمرٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تجوز بحالٍ‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ تجوز في النخل والكرم، وبقيَّةُ الشجر على قولين‏.‏

وقال داود‏:‏ لا تجوز إلا في النخل‏.‏

2541- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن صاعد ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن أبيه عمر‏:‏ أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساقى يهود خيبر على تلك الأموال على الشطر، وسهامهم معلومة‏.‏

2542- قال ابن صاعد‏:‏ وحدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا يحيى بن سعيد قال‏:‏ حدَّثني عبيد الله قال‏:‏ أخبرني نافع عن ابن عمر‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر إلى أهلها على الشطر مما يخرج منها‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن إسحاق‏:‏ رواه أبو داود متفرِّدًا به عن أحمد بن حنبل عن يعقوب بن إبراهيم به O‏.‏

2543- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سريج بن النعمان ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مِقْسَم عن ابن عبَّاسٍ‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع خيبر- أرضها ونخلها- مقاسمة على النصف O‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن إسماعيل بن توبة عن هُشيم‏.‏

وابن أبي ليلى‏:‏ فيه كلامٌ‏.‏

والحكم‏:‏ لم يسمع من مِقْسَم إلا خمسة أحاديث‏.‏

قاله شعبة O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2544- بما رواه الترمذيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا بُنْدَار ثنا عبد الوهاب الثقفيُّ ثنا أيُوب عن أبي الزبير عن جابر‏:‏ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة‏.‏

قال الترمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلمٌ وأبو داود والنسائيُّ من حديث أيُّوب O‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الخِبر- بكسر الخاء-، و المخابرة هي‏:‏ المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقلّ وكثر‏.‏

وقال ابن الأعرابي‏:‏ أصل المخابرة من خيبر، لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقرَّها في أيدي أهلها على النصف، فقيل‏:‏ خابرهم- أي عاملهم في خيبر-، ثُمَّ تنازعوا، فهي عن ذلك‏.‏

واحتجُّوا‏:‏ 2545- بما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا سفيان قال‏:‏ سمعت عمرًا سمع ابن عمر قال‏:‏ كنَّا نخابر ولا نرى بذلك بأسًا، حتَّى زعم رافع بن خَدِيج‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه، فتركناه‏.‏

انفرد بهذا اللفظ مسلمٌ‏.‏

والجواب عن الحديثين من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أنَّه إنَّما نهى عن ذلك لأجل خصومات كانت تجري بينهم‏:‏ 2546- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر‏:‏ أنَّه كان يُكْرِي مزارعه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من إمارة معاوية، ثُمَّ حُدِّث عن رافع بن خَدِيج أنَّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر إلى رافع، فذهبت معه، فسأله، فقال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كراء المزارع‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ قد عَلِمْتَ أنَّا كنَّا نُكْرِي مزارعنا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما على الأربعاء، وبشيءٍ من التبن‏.‏

2547- قال البخاريُّ‏:‏ وحدَّثنا محمَّد أنا عبد الله أنا يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس سمع رافع بن خَدِيج قال‏:‏ كنَّا أكثر أهل المدينة مُزْدَرَعًا، كنَّا نُكْرِي الأرض بالناحية منها مسمًّى لسيِّد الأرض‏.‏

قال‏:‏ فربَّما يصاب ذلك وتسلم الأرض، وتسلم الأرض ويصاب ذلك، فنهينا، وأمَّا الذهب والوَرِق فلم يكن يومئذٍ‏.‏

الطريقان في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

2548- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عُبيدة بن محمَّد بن عمَّار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال‏:‏ قال زيد بن ثابت‏:‏ يغفر الله لرافع بن خَدِيج، أنا- والله- أعلم بالحديث منه، إنَّما أتى رجلان قد اقتتلا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إن كان هذا شأنكم فلا تُكْرُوا المزارع‏"‏‏.‏

فسمع رافع قوله‏:‏ ‏"‏لا تُكْرُوا المزارع‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنسائيُّ وابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، وهو من رجال مسلمٍ، وهذا حديث حسنٌ O‏.‏

والجواب الثاني‏:‏ أنَّهم كانوا يكرون بما يخرج على الأربعاء- وهي جوانب الأنهار- وما على الماذيانات، وذلك أمرٌ يفسد العقد على ما بيَّنَّا‏.‏

والثالث‏:‏ أنَّه يحمل النهي على التنزيه، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خيرٌ له من أن يأخذ عليها أجرًا معلومًا‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏567‏)‏‏:‏ تصحُّ المزارعة ببعض ما تُخرج الأرض‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ لا تجوز في الأرض البيضاء، وتجوز إذا كان في الأرض نخل أو كرم تبعا‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالكٌ‏:‏ لا تصحُّ بحالٍ‏.‏

لنا‏:‏ حديث ابن عمر المتقدِّم في المساقاة‏.‏

واحتجُّوا‏:‏ بحديث رافع‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المخابرة‏.‏

وقد سبق جوابه، ولأيِّ علَّة نهى‏.‏

مسألة ‏(‏568‏)‏‏:‏ لا ضمان على الأجير المشترك فيما لم تجن يداه، كالقصَّار لا يضمن ما لم تعرف جناية من يده‏.‏

وعنه‏:‏ عليه الضمان‏.‏

وقال مالك‏:‏ عليه ضمان ما جنت يداه، وما لم تجن‏.‏

وللشافعيِّ قولان‏.‏

لنا‏:‏ حديث سَمُرة‏:‏ ‏"‏على اليد ما أخذت حعتى تؤدِّي‏"‏‏.‏

وقد سبق في مسألة غصب الساجة‏.‏

2549- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب قال‏:‏ حدَّثني اسحاق بن محمَّد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمَّد بن عبد الرحمن الحَجَبِيِّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا ضمان على مؤتمن‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الإسناد لا يعتمد عليه، فإنَّ يزيد بن عبد الملك ضعَّفه أحمد وغيره، وقال النسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وعبد الله بن شبيب‏:‏ ضعَّفوه‏.‏

2550- وقال الشافعيُّ‏:‏ أنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أنَّ عليَّ بن أبي طالبٍ ضمَّن الغسَّال والصبَّاغ، وقال‏:‏ لا يصلح الناس إلا ذلك‏.‏

قال الشافعيُّ‏:‏ ولا يُثْبت أهل الحديث مثل هذا‏.‏

وقد رواه البيهقيُّ من رواية سليمان بن بلال عن جعفر O‏.‏

مسألة ‏(‏569‏)‏‏:‏ يجوز كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرج‏.‏

وعنه‏:‏ المنع، كقول أكثرهم‏.‏

2550/أ- وقد روى أصحابنا من حديث ابن عبَّاسٍ‏:‏ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من كان مكريا أرضا فليكر بالربع أو بالثلث‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث بهذا اللفظ فتَّشت عليه فلم أقف له على إسناد‏.‏

2551- وقد قال النسائيُّ‏:‏ أخبرنا عليُّ بن حُجْرٍ أنا عبيد الله عن عبد الكريم عن مجاهد قال‏:‏ أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع بن خَدِيج، فحدَّثه عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى عن كراء الأرض‏.‏

‏[‏فأبى‏]‏ طاوس وقال‏:‏ سمعت ابن عبَّاسٍ لا يرى بذلك بأسًا‏.‏

2552- وقال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا أحمد بن ثابت الجحدريُّ ثنا عبد الوهاب عن خالد عن مجاهد عن طاوس أنَّ معاذ بن جبل كرى الأرض على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا‏.‏

طاوس لم يلق معاذًا O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2553- بمارواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا وكيع ثنا شَريك عن أبي حَصين عن مجاهد عن رافع بن خَدِيج قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تستأجر الأرض بالدراهم المنقودة، أو بالثلث والربع‏.‏

2554- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا البيعويُّ ثنا محمَّد بن حُميد ثنا عبد الرحمن بن مَغْراء عن عُبيدة الضَّبِّيِّ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن عائشة‏:‏ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في مسيرٍ له، فإذا هو بزرعٍ يهتزُّ، فقال‏:‏ ‏"‏لمن هذا‏؟‏‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ لرافع بن خَدِيج‏.‏

فأرسل إليه- وكان أخذ الأرض بالنصف أو الثلث-، فقال‏:‏ ‏"‏انظر نفقتك في هذه الأرض، فخذها من صاحب الأرض، وادفع إليه أرضه‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ ففيه شَريك، وكان يحيى بن سعيد لا يحدِّث عنه، ويقول‏:‏ ما زال مخلطًا‏.‏

وقال أبو حاتم الرازيُّ‏:‏ له أغاليط‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ صاحب وهمٍ‏.‏

ولا يعلم أنَّ مجاهدًا سمع من رافع‏.‏

وأمَّا الثاني‏:‏ ففيه‏:‏ عبد الحميد، وهو‏:‏ الحِمَّانِيُّ، ضعَّفه أحمد‏.‏

وفيه عُبيدة الضَّبِيِّ‏:‏ قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ترك الناس حديثه‏.‏

وفيه عبد الرحمن بن مَغْراء‏:‏ قال عليُّ بن المدينيِّ‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وفيه محمَّد بن حُميد‏:‏ كذَّبه أبو زرعة وابن وارَة، وقال النسائيُّ‏:‏ ليس بثقةٍ‏.‏

وقال صالح بن محمَّد الحافظ‏:‏ ما رأيت أحذق بالكذب منه، ومن الشَّاذَكُونِيِّ‏!‏ ثُمَّ قد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على‏:‏ أنَّهم كانوا يؤجِّرون بهذا، وبأشياء مجهولة‏.‏

ز‏:‏ حديث مجاهد عن رافع‏:‏ مضطربٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أئمة ‏"‏الكتب السِّتَّة‏"‏ من رواية شَريك‏.‏

وقد رواه الترمذيُّ من رواية أبي بكر بن عيَّاش، والنسائيُّ من رواية أبي عوانة، كلاهما عن أبي حَصين بيعير لفظ شَريك‏.‏

ومجاهد لم يسمع من رافع هذا، بل بينهما واسطةٌ، كما جاء ذلك من غير وجهٍ، والله أعلم هل سمع منه شيئًا أم لا‏؟‏ وحديث عائشة‏:‏ لم يخرِّجه أحدٌ منهم‏.‏

وعبد الحميد بن عبد الرحمن هو‏:‏ ابن زيد بن الخطَّاب، وهو من الثقات المخرَّج لهم في ‏"‏ الصحيحين‏"‏‏.‏

وقول المؤلِّف‏:‏ ‏(‏هو الحِمَّانِيُّ‏)‏ وهمٌ قبيحٌ، وخطأٌ فاحشٌ، فإنَّ هذه الطبقة ليست طبقة الحِمَّانِيِّ، بل الحِمَّانِيُّ متأخرٌ عن هذا بكثيرٍ، يروي عنه عبَّاس الدُّوريُّ وطبقته، وعُبيدة بن مُعَتِّب الضَّبِّيُّ أكبر من الحِمَّانِيِّ بكثيرٍ، بل هو في طبقة كبار شيوخه‏.‏

وعبد الرحمن بن مَغْراء‏:‏ وثَّقه بعض الأئمة، وضعَّفه بعضهم‏.‏

وفي الجملة حديث عائشة هذا ضعيفٌ لا يجوز الاحتجاج به، لحال عُبيدة ومحمَّد بن حُميد، والله أعلم O‏.‏